-A +A
رندا الشيخ
حين نتخذ قرار الارتباط بشخص ما دون سواه، فنحن ومنذ تلك اللحظة نبدأ تدريجيا في تحمل جزء كبير من مسؤولية ما ستبدو عليه ملامح حياتنا في المستقبل، معه ومع ذويه وذوينا، وفي كل ما يتعلق بوجوده من تفاصيل. ورغم معرفتنا المسبقة بأمور بديهية كهذه، إلا أن الكثير منا مازال يقع في ذات الأخطاء! فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد زواج الأقارب وما ينتج عنه من أمراض وتشوهات خلقية للأطفال مازال متفشيا! أما مسلسل التفريق بين القلوب بسبب عدم تكافؤ النسب فمازالت ناره مشتعلة!، ولن ننسى أن القضايا التي تصدح بها شاشاتنا يوميا ومنذ أعوام ليست بالقليلة! لكن بعيدا عن كل ذلك، متى ستنتهي مسألة البيع والشراء تلك؟ عفوا! أقصد غلاء المهور؟
الغريب أنني ومذ كنت على مقاعد الدراسة في المرحلة المتوسطة، وأنا أستمع إلى القصص المرعبة والأرقام الخيالية التي كانت سببا في سرقة السعادة من حياة بدأت للتو، أو قتلتها قبل أن تتنفس الحياة! وهذا ما حدث مع تالين!

تلك الفتاة التي أكملت عامها الخامس والأربعين دون أن تبني عشها الصغير وتنجب صغارا يركضون فيه بشقاوة، ويجعلون لوجودها مذاقا آخر. كان جمالها حديث كل من عرفها في المدرسة أو في مناسبة ما أو حتى في لقاء عابر. في المقابل لم تكن تالين تمنح الأمر أهمية كبيرة كما كان يفعل والدها الذي أحبها جدا حتى اختنقت بحبه وحدة بعد وفاته! كان يرى فيها حب شبابه، وضوء عينيه، وزوجته الراحلة بعد مخاض عسير. أما هي، فلم تكن تدرك خطأ ما يفعله والدها كلما تقدم أحد لخطبتها، إلا بعد أن أتمت عامها الأربعين وفارق هو الحياة، ولم تجرؤ يوما على رفض قراره بألا يقل مهرها عن مئة ألف ريال سعودي إضافة إلى تكاليف العرس الأسطوري والسفر وغيره من النفقات التي تقصم الظهر، وهي الابنة الوحيدة لتلك العائلة الثرية ذائعة الصيت! رغم أنها لم تكن تبحث إلا عن وطن يسكنها وتسكنه.
لن أقول بأنها تعيش حياة تعيسة لأنها لم تتزوج وتنجب منذ أن أتمت عامها الثلاثين، فهي فتاة متعلمة ومثقفة وثرية وتتحدث أكثر من لغة.. ومازالت جميلة أيضا، بل ازدادت جمالا وجاذبية. لكن لماذا تدفع هي وغيرها سنوات العمر الفتية ثمنا لبرستيج زائف وزائل وسخيف بدلا من استثمارها في خلق براعم صغيرة تمتد بها جذور العائلة؟ ما أؤمن به حقا، أن المال لم يكن يوما مقياسا لقيمة المرء وقدره، ولن يصبح كذلك إلا في حالة واحدة! هي أن يكره المرء نفسه.. فيؤذيها!
وفي النهاية سأسر لك يا من تقرأني، أن تالين اختارت أخيرا أن تحب نفسها وتتزوج من موظف بسيط بعد أن اشترطت أن يكون مهرها... حجة ينويها لوالدها المتوفى!